05 Dec   2021

الميجنا الديرية.. سقاها الفرات وروّت أهل واديه.

الميجنا الديرية.. سقاها الفرات وروّت أهل واديه.

تمسك البنيّة طرف منديلها وتتمشى على درب البيدر في أيام الحصاد، وتغنّي للمحبوب الذي سافر بعيداً:

يا ظريف الطول أهلك عاندوا

وعلى دير الزور شالوا وابعدوا

يا مين يبشر ويقلي عاودوا

الا سبعة أيام أشرب ماية

بيت من الميجنا كهذا كان يسلّي الصبيّة الديرية كما أهل تلك المنطقة في أثناء حصاد القمح، وهو الذي كان يعزيهم أيضاً أيام فيضان "الفرات"، والحقيقة أن النهر خزان أفراحهم وأحزانهم، حيناً يجود على حقولهم العطشى، وحيناً يفيض ويجني ماؤه عليهم وعليها.. فيشكون حالهم منه ويغنّون: (المَي جَنى) ليطبع هذا البوح الشجي الميجنا الديرية بما ليس في سواها، ويجعلها أغنية الحكايات كلها، تغزل من القلب ما لا يمكن قوله كلاماً، وتُفشيه باللحن المعروف.

وعلى هديِ نغم "أورنينا" تغني كل حبة تراب في وادي الفرات، فهل لهذا ألا يحدث والمغنية الساحرة في معبد "ماري" هي الأولى في العالم؟ وهل للحضارات التي سكنت الوادي الجميل أن تمضي دون غمازة على وجهه من أغانٍ وألحان ولهجة تحضن البداوة والريف معاً؟

كم تتعشّق الباديةُ النهرَ والسهل في دير الزور وتراثِها الذي يتكلّم ويغنّي كما أهلها، حيّ مثلهم أو ربّما هم يشبهونه كثيراً فيرسمون للحياة طرقاً للعودة إذا ما لوحت بالابتعاد عنهم إثر حرب أو حزن أو مشقّة.. قادرون على العيش والحب والبكاء والفرح والأمل والمناجاة واللوم وكل ذلك في أغنية كحياتهم اسمها "الميجنا"

هذا الجزء من التراث عميق الارتباط بتاريخ دير الزور والمتشرب روحها وماء فراتها، محفوظٌ في الذاكرة الجمعية لأجيالها المتوالية، تمضي الأمانة السورية للتنمية بالعمل على حمايته وحفظ التجذر التاريخي له في كل زمان وتوثيقه وإحياء ألقه وارتباط المجتمع به ككل، فالتراث المادي واللامادي يغني حضارة سورية التي خلقت لتعيش.

وعلى بيت الميجنا الذي غنته البنيّة الديرية الحزينة، يردّ الولف:

لبست القبقاب قالبتو قلب

يا بعد جوز الرديني والقلب

محبة الحلو خشة بالقلب

وان سلاج القلب ما اسلاجي أنا.



Tag
No Results
Share It With